أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلًا جديدًا حول “اقتصاد الفضاء”، حيث تناول فيه مفهوم هذا الاقتصاد واستخدامات النظم الفضائية في الاقتصاد العالمي، كما استعرض الاستثمارات العالمية في هذا المجال، وعرض تجربة نموذج عالمي رائد في اقتصاد الفضاء، بالإضافة إلى التطورات الحديثة لمصر وفرص نمو هذا القطاع، وأكد المركز أن اقتصاد الفضاء أصبح من أبرز المجالات الواعدة التي تجذب اهتمام الدول والشركات على حد سواء، فلم يعد الفضاء مقتصرًا على الاستكشافات العلمية أو الأغراض العسكرية فقط، بل تحول إلى سوق استثمارية ضخمة تتضمن فرصًا هائلة للنمو الاقتصادي والابتكار؛ مما جعل هذا القطاع يشهد تطورات هائلة مع تزايد الاستثمارات العالمية الموجهة إليه وتوافر العديد من فرص النمو مستقبلًا.
أوضح التحليل أن العالم شهد طفرة غير مسبوقة في استخدام الفضاء خلال العقد والنصف الماضيين شملت كلا من القطاعين العام والخاص؛ حيث تميزت تلك الفترة بالانتشار الكبير للأقمار الصناعية الجديدة لأغراض مثل الملاحة ومراقبة الأرض والاتصالات. ومن هنا بدأ ظهور مفهوم جديد هو (اقتصاد الفضاء)، الذي تُعرِّفه منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) بأنه: “الاقتصاد الذي يشمل جميع الأنشطة والموارد التي تُسهم في التقدم البشري من خلال استكشاف الفضاء وفهمه وإدارته واستخدامه”، بينما يشير مكتب الأمم المتحدة لشؤون الفضاء الخارجي (UNOOSA) إلى اقتصاد الفضاء بالمعنى الواسع على أنه: “الدور الذي يؤديه الفضاء لدعم التنمية المستدامة الاجتماعية والاقتصادية”.
وذكر التحليل أن أبرز المجالات التي تُستخدم فيها النظم الفضائية تشمل:.
– تغير المناخ: حيث يوجد أكثر من 160 قمرًا صناعيًّا حول الأرض لمراقبة وتقييم آثار الاحتباس الحراري والكشف عن الأنشطة السلبية مثل القطع غير القانوني للأشجار، وتستخدم وكالة ناسا الفضائية أداة مثبتة على قمرها الصناعي “Aqua” لمراقبة التغيرات البيئية بما في ذلك تلك المتعلقة بمياه المحيطات وبخار الماء والسحب والجليد البحري واليابسة وهطول الأمطار منذ أكثر من 20 عامًا. كما توفر الأقمار الصناعية الأخرى معلومات يمكن أن تساعد الدول على اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن حرائق الغابات وتآكل السواحل وغيرها من الكوارث الطبيعية المرتبطة بالمناخ.
– الأمن الغذائي: تستخدم بيانات الأقمار الصناعية بشكل متزايد لرصد نمو المحاصيل والتهديدات المحتملة لها مثل الجفاف أو الحشرات، ويستخدم مشروع SERVIR وهو شراكة بين ناسا والوكالة الأمريكية للتنمية الدولية بيانات صادرة عن الأقمار الصناعية والتقنيات الجغرافية المكانية؛ لمساعدة الدول على معالجة قضايا متعددة منها قضية نقص الغذاء.
– الأمن القومي: يتم استخدام صور الأقمار الصناعية والبيانات للحصول على معلومات استخباراتية ذات قيمة مثل معلومات عن حركة القوات وتركيب أنظمة الأسلحة.
– الخدمات: تشمل خدمات مثل الملاحة والخدمات اللوجستية بالإضافة إلى الاتصالات السلكية واللاسلكية وإدارة الكوارث، وهي خدمات أساسية في قطاعات كبرى مثل الطيران والنقل البحري والخدمات المالية والعمليات العسكرية.
– استخراج الموارد الفضائية: أدت ندرة الموارد على كوكب الأرض إلى توجيه الاهتمام نحو استكشاف إمكانية استخراج الموارد الأرضية من خارج الكوكب مما يمثل مرحلة تحويلية جديدة لاستخدام الفضاء.
وأكد مركز المعلومات أن تلك الاستخدامات للنظم الفضائية أدت إلى ظهور ما يُعرف بـ (سلسلة القيمة الفضائية)، والتي تشير إلى مختلف المراحل (المنبع والوسيط والمصب) والأنشطة المتضمنة في تصميم وتطوير وإنتاج واستخدام المنتجات والخدمات ذات الصلة بالفضاء؛ حيث يتم تعريف سلسلة القيمة بأنها: “نظام معقد ومتصل يشمل العديد من الجهات الفاعلة المختلفة بما في ذلك وكالات الفضاء الحكومية وشركات الفضاء التجارية والمؤسسات البحثية والمستخدمين النهائيين”، وتعتبر كل مرحلة مترابطة وتتطلب مشاركة جهات فاعلة متعددة.
تشمل سلسلة القيمة أيضًا التعاون عبر الحدود وعبر القطاعات فضلًا عن تنسيق مختلف أنواع الاستثمارات سواء كانت خاصة أو عامة.
وقد استعرض التحليل كل مرحلة من مراحل سلسلة القيمة كما يلي:.
– مرحلة المنبع: تصميم وتصنيع الأقمار الصناعية وأنظمة الإطلاق والنظم الفضائية والمكونات والمعدات الأرضية وغيرها من الأجهزة ذات الصلة بالفضاء.
– مرحلة الوسيط: تشغيل وصيانة وخدمة أنظمة الفضاء.
– مرحلة المصب: استخدام الاتصالات المعتمدة على الأقمار الصناعية وبيانات رصد الأرض وتعزيز الوعي بالوضع الفضائي والبيانات الجغرافية المكانية.
وعن الوضع الحالي للاستثمارات العالمية في اقتصاد الفضاء فقد أشار التحليل إلى أن هذه الاستثمارات شهدت تطورًا سريعًا منذ إطلاق أول قمر صناعي عام 1957 والذي ظهرت ملامحه في الانتشار السريع للدول بالفضاء عبر الأقمار الصناعية وزيادة الميزانيات الحكومية الموجهة للفضاء خلال السنوات الأخيرة حتى بات متوقعاً ارتفاع حجم سوق اقتصاد الفضاء العالمي إلى 1.8 تريليون دولار بحلول عام 2035.
يمكن الوقوف على الوضع الحالي للاستثمارات العالمية في اقتصاد الفضاء عبر المؤشرات التالية:.
– تطور عدد الدول التي لديها أقمار صناعية في المدار بدءً بإطلاق أول قمر صناعي عام 1957 ومنذ ذلك التاريخ شهد عدد الدول التي أطلقت الأقمار الصناعية زيادة مستمرة ففي الفترة بين 1957 و2023 ارتفع العدد من دولة واحدة عام 1957 إلى 51 دولة عام 2008 وصولاً إلى 96 دولة عام 2023. وفي العام نفسه ارتفع إجمالي عدد الدول التي أطلقت أقمار صناعية بشكل مستقل دون الاعتماد على مساعدات خارجية ليصل إلى 12 دولة مقارنة بدولة واحدة عام 1957 و10 دول عام 2008. وبحلول نهاية العام الماضي بلغ عدد الأقمار الصناعية العاملة حوالي6700 قمر صناعي أي ضعف العدد المسجل لعام2020 مما يعكس زيادة اعتماد الدول على استخداماته المختلفة عبر الزمن مما يمهد الطريق لاستغلال فضاء أكثر تنوعاً وابتكاراً.
– الميزانيات الحكومية المخصصة لمشروعات فضائية تعتبر الجهات الحكومية حول العالم هي الجهات الرئيسية الداعمة لتمويل الأنشطة الفضائية المختلفة إذ تستغل هذه الجهات القدرات الفضائية لتلبية احتياجاتها بمجالات متنوعة مثل الدفاع وإدارة الكوارث وحماية البيئة ودعم استكشاف الفضاء كما تعمل الحكومة بتمويل عمليات البحث والتطوير لدى الوكالات المحلية أو بالتعاون مع الأكاديميين والشركات الخارجية لتحقيق أهدافها. وقد بلغ إجمالي الإنفاق الحكومي العالمي حوالي135 مليار دولار أمريكي لعام2024 مرتفعاً بنحو63.6% عن قيمته لعام2020 والتي كانت82.5 مليار دولار أمريكي .
– حجم اقتصاد فضاء العالمي وفق تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي بالتعاون مع شركة McKinsey & Company بعنوان (Space: The $1.8 Trillion Opportunity for Global Economic Growth) والصادر بتاريخ8 أبريل2024 بلغ حجم الاقتصاد حوالي630 مليار دولار لعام2023 ومن المتوقع ارتفاع هذه القيمة لتصل لـ1.8 تريليون دولار بحلول2035 .
وأشار التحليل أنه بحلول عام2024 قامت حكومة الولايات المتحدة الأمريكية بإنفاق حوالي79.68 مليار دولار أمريكيعلى برامج فضائها مما يجعلها الدولة الأكثر إنفاقاً حكومياً بهذا المجال عالمياً تليها الصين حيث تجاوز إنفاقها19.89 مليار دولار ثم اليابان بنسبة6.8 مليار دولار ورussia بنسبة3.96 مليار دولار وجاءت كوريا الجنوبية أخيراً بإنفاق قدره1.03مليار دولار .
.
.
.
.
أكد التحليل بأن اقتصادالفيديو يعتبر أحدأبرزمحركات النمو الاقتصادي القرن الواحد والعشرين مع ازدياد الاستثمارالعالمي بهذا القطاع خاصة بالقوى الكبرى كالولايات المتحدة والصين مما جعل منه ساحة جديدة للتنافس والتعاون الدولي يحمل الكثيرمن الفرص وسط تقدم التكنولوجيا وزيادة التعاون الدولي ما يفتح آفاق الابتكاروالازدهار..
اختتم التحليل بالإشارة إلي ضرورة الاستثمار باقتصاد الفيديو ليس مجرد خياراستراتيجي بل حاجة ملحة بعالم يعتمد بشكل متزايدعلي التكنولوجياوالمواردالفضائيو.